مغربنا 1 جريدة إلكترونية مغربية


ليساوي يكتب:التنافس الصيني الأمريكي على مناطق النفوذ في أسيا و المحيط الهادئ

مغربنا 1 المغرب

أشرنا في مقال ” مقارنة بين الموقف الصيني و الموقف العربي من الصراع الدائر بين “ترامب” و “بايدن”.. أن العلاقات بين بكين وواشنطن وصلت  إلى أسوأ حالاتها منذ عقود بسبب مجموعة من الخلافات التجارية و الجيواستراتيجة، و خاصة تتمدد النفوذ الصيني سياسيا و اقتصاديا في جنوب و شرق أسيا خاصة، وفي العديد من بلدان العالم عامة، في مقابل تراجع ملموس للنفوذ و الهيمنة الأمريكية، ففي ظل تفشي فيروس كورونا المستجد الذي أثر في العالم بأسره، نجد أن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة دخلت مرحلة من التوتر و التصعيد المتبادل ، و السبب ليس مصدره منشأ الفيروس، و إنما من سيفرض سيطرته على  بحر الصين الجنوبي خاصة و شرق ووسط أسيا عامة .و لفهم الصراع الدائر بين البلدين لابد من تسليط الضوء على بحر الصيني و أهميته الجيواستراتيجية لكلا البلدين؟

أولا : الأهمية الإستراتيجية  لبحر الصين الجنوبي:

بحر جنوب الصين هو بحر هامشي متجزئ من المحيط الهادي ، يشمل المنطقة من سنغافورة و مضيق ملقا إلى مضيق تايوان، ومساحته تقارب 3500000 كم2. تأتي أهمية هذا البحر نتيجة عبور ثلث الشحنات البحرية العالمية بمياهه، كذلك يُعتقد أنه يحتوي على احتياطات هائلة من النفط و الغاز الطبيعي تحت رمال قاعه.
و يقع بحر جنوب الصين: جنوبا البر الصيني الرئيسي، متضمنا جزيرة تايوان شرقاً، و الفلبين غربا و شبه الجزيرة الماليزية و سوماترا شرقا ، وصولا إلى مضيق ملقة غرباً..

و يربط بحر الصين الجنوبي العالم البحري للشرق الأوسط بمنطقة شبه القارة الهندية بشمال شرق آسيا، ويساوي النفط القادم من المحيط الهندي عبر مضيق ملقا باتجاه شرق آسيا مرورًا ببحر الصين الجنوبي حوالي ثلاثة أضعاف الكمية التي تعبر من خلال قناة السويس، وحوالي 15 مرة مقارنة بالكمية التي تعبر قناة بنما. أضف إلى ذلك أن حوالي ثلثي إمدادات الطاقة لكوريا الجنوبية و60% لليابان وتايوان و80% تأتي عبر بحر الصين الجنوبي.

وبالإضافة إلى مركزية الموقع الذي يتمتع به، يحتوي بحر الصين الجنوبي على حوالي 7 مليارات برميل نفط كاحتياطي مؤكد، إضافة إلى حوالي 900 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، فيما يعتقد الصينيون أن باطنه يحتوي على كميات من النفط تفوق أية منطقة في العالم باستثناء السعودية، وهو الأمر الذي إذا ما ثبتت صحته (هناك شكوك حوله)، فإنه يجعل منطقة بحر الصين الجنوبي بمثابة منطقة الخليج العربي…

ثانيا- تنافس استراتيجي بين الصين و أمريكا:

تحتفظ كل من الصين والولايات المتحدة بالعديد من المصالح الحيوية في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادئ و مناطق أخرى شاسعة في آسيا. فبالنسبة للولايات المتحدة، من المنطقي أن تصبح دول  كاليابان، وكوريا الجنوبية، والهند، وغيرهم حلفاء لواشنطن، نظرًا للوجود الأمريكي في تلك المناطق والذي كلفها الكثير بداية من حروبها في كوريا وفيتنام، مرورًا بأسواقها وشركاتها واستثماراتها الضخمة هناك.

في مقابل ذلك، فإن الصين ترى نفسها جزءا من المنطقة و ليس بالوافد الجديد، هذا إلى جانب أن الصين عبر تاريخها الطويل كان لها نفوذ سياسي و ثقافي و تجاري على معظم هذه المناطق فهي بتعبير معاصر المجال الحيوي للصين، فالمصالح الحيوية للصين تتركز في هذا المجال الجغرافي، سواءا في بحر الصين  أو  شمال شرق آسيا، حيث الحروب الصينية اليابانية والحرب الكورية، أو في جنوب شرق آسيا نتيجة لرغبة الصين في السيطرة على مصادر الطاقة والممرات البحرية الهامة هناك، وهو ما يجعلها إحدى أشهر مناطق التنافس بينها وبين الولايات المتحدة[1].

و لابد من التأكيد على أن الوجود الأمريكي في المنطقة بالنظر إلى حلفاء واشنطن وجود حيوي، نظرا  لعجز الصين عن لعب الدور الأمني الذي طالما لعبته الولايات المتحدة في تلك المناطق، خاصة و أن النفوذ الصيني بهذه المناطق يثير مخاوف جيران الصين كفيتنام و ماليزيا و اليابان و ذلك لسببين :

السبب الأول: المطالبات البحرية والإقليمية للصين في بحر الصين الجنوبي جعلتها في منافسة شرسة مع أغلب دول المنطقة،

أما السبب الثاني: فيرتبط بالأقليات الصينية في دول شرق آسيا، وهو ما يجعل أي تصور بشأن طموحات الصين أمرًا بالغ الخطورة، نظرًا للسوابق الصينية في دعم المتمردين الشيوعيين في دول شرق آسيا طوال فترة الثمانينيات. فضلًا عن اعتماد النظام المالي العالمي على المؤسسات المالية والشركات الأمريكية، والذي جعل الدول الآسيوية بحاجة ماسة إلى الولايات المتحدة لضمان سلاسل التوريد العالمية، ومن ثم ربط آسيا بالاقتصاد العالمي.

و لعل هذه المخاوف هي التي تدفع الصين إلى تبني سياسة خارجية مرنة و سلمية تتوخى تهدئة الجيران، و قد أشرنا إلى ذلك بوضوح في مقال “العلاقات الصينية – الأمريكية على ضوء توقيع أسيا و المحيط الهادي لاتفاقية ”  RCEP “.. فالاتفاق الذي تم توقيعه يوم الأحد  15 تشرين الثاني – نوفمبر2020  يشمل ما يقرب من ثُلث سكان العالم، ونحو 30 % من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وهو ما يمثل شراكة اقتصادية إقليمية شاملة تتضمن تخفيض الرسوم الجمركية تدريجيًا ومكافحة الحمائية، وتعزيز الاستثمار، إلى جانب السماح بحرية حركة البضائع والخدمات والاستثمارات داخل المنطقة، حيث تشمل الاتفاقية (الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا) إلى جانب الأعضاء الـ 10 فى رابطة دول جنوب شرق آسيا الآسيان (بروناى وفيتنام ولاوس وكمبوديا وتايلاند وميانمار وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا والفلبين)…[2]

ثالثا- تصعيد ينذر بحرب عالمية ثالثة :

يشهد بحر الصين الجنوبي، وباقي المياه الأخرى المحيطة بالصين، تحركات عسكرية كثيفة  يغلب عليها طابع التحدي للموقف الصيني، فقد عملت واشنطن  على  نشر سفنها الحربية في المياه الاستراتيجية أو الحيوية للصين ، و الغاية من ذلك  إحتواء بكين و الحد من نفوذها في  بحر الصين الجنوبي، وبحر الصين الشرقي، ومضيق تايوان… فعلى سبيل المثال قامت الولايات المتحدة في 19 أغسطس 2020 بإرسال مدمرتها الصاروخية، “يو إس إسموستين”، للمساهمة في تنفيذ مهمة “حرية الملاحة” في مضيق تايوان من أجل إيصال رسالة قوية ضد الإجراءات الصينية الأخيرة في المنطقة، وتعد المدمرة “يو إس إسموستين” هي سابع سفينة أميركية تبحر هذا العام عبر مضيق تايوان.و في 4 يوليو 2020 وأثناء الاحتفال بعيد الاستقلال الأميركي، أجرت حاملتا طائرات أميركيتان “يو إس إسنيميتز”، و”يو إس إس رونالد ريغان”، مناورات عسكرية في بحر الصين الجنوبي كجزءٍ من التزامها “بالدفاع عن حق جميع الدول في الطيران، والإبحار والعمل بما يسمح القانون الدولي”. وتعتبر الصين جميع الأنشطة العسكرية الأميركية الأخيرة في بحر الصين الجنوبي بمثابة استفزازات لها [3].

وتعليقًا على هذا التصعيد العسكري المتزايد، قال “يانغ جيتشي”، مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، في 7 أغسطس 2020، أن “الاقتتال بين الصين والولايات المتحدة سيؤدي إلى كارثة كبيرة ليس فقط ضد بعضهما البعض، ولكن أيضًا لبقية الدول الأخرى، والعالم بأسره”. لذلك، فمن الضروري لكلتا القوتين أن تهدئ من وتيرة الصراع الدائرة حاليًا من أجل الحفاظ على السلام العالمي. كما أكد وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” في مقابلة تلفزيونية، على أن الصين بحاجة إلى أن تظل “ملتزمة بالتنمية السلمية وتتبع استراتيجية الانفتاح ذات المنفعة المتبادلة. لذا، ستواصل الصين تعزيز السلام والتنمية العالميين ودعم النظام الدولي”[4].

وتعتمد الإدارة السلمية للنزاعات في بحر الصين الجنوبي على الإجراءات الإيجابية الحاسمة المتخذة ليس فقط من المطالبين وأعضاء “رابطة دول جنوب شرق آسيا” (آسيان)، ولكن هناك أيضًا الإجراءات المشتركة بين الصين والولايات المتحدة. فهذا هو الوقت المناسب للصين لإظهار قيادتها القوية في تعزيز السلام والأمن والاستقرار في بحر الصين الجنوبي من خلال اتخاذ تدابير عملية من جانب واحد من شأنها أن تهدئ التوترات وتمنع مخاطر الحوادث وسوء التفاهم مع الولايات المتحدة.

فالقيادة الصينية  تؤكد على مبدأ الحوار و الإتفاق مع واشنطن، و هو ما عبر عنه وزير الخارجية الصيني، “وانج يي”،فقد صرح قبل أيام و قال بوضوح بأن  العلاقة بين بلاده والولايات المتحدة وصلت إلى “مفترق طرق جديد”، لكن يمكن لهذه العلاقة أن تعود إلى المسار الصحيح، مشيرا إلى أن سياسات واشنطن تجاه بكين في الآونة الأخيرة أضرت بمصالح البلدين وجلبت مخاطر جسيمة للعالم، و قال بأن  هناك فرصة أمام الجانبين لفتح نافذة جديدة من الأمل، وبدء جولة جديدة من الحوار و هي دعوة صريحة  للإدارة “بايدن” بأن الصين ستختار طريق التفاوض و التعاون و التهدئة، فسياسات “ترامب” ألحقت ضررا كبيرا  بالصين خاصة بعد تفشي وباء كورونا المستجد…و قد أكد  الوزير الصيني واشنطن إلى ضرورة  إحترام الخصوصية الصينية و احترام النظام الاجتماعي ومسار التنمية اللذين اختارتهما الصين، وقال لو أن واشنطن تتعلم من الدروس لأمكن إيجاد تسوية  لخلافات البلدين…

رابعا- توابث استراتيجية أمريكا تجاه الصين:

قلنا سابقا أن سياسة الانفتاح و الإصلاح لم تركز على الجانب الاقتصادي و الاجتماعي و إنما إمتدت إلى العلاقات الخارجية ، و التحول الهيكلي الذي حدث في أواخر عهد “ماوتسي تونغ” هو التطبيع مع الولايات المتحدة ، و أقامت معها علاقات دبلوماسية في العام 1979، و كانت سياسة الولايات المتحدة تجاه جمهورية الصين الشعبية تقوم عل فرضية أن الانفتاح الاقتصادي والسياسي في الصين  سيقود إلى بناء مجتمع ديمقراطي و حر على غرار التصور الغربي،  لكن، بعد أكثر من 40 عامًا، أصبح واضحًا أن هذا النهج لم يكن قد أخذ في الاعتبار تمامًا مدى رغبة الحزب الشيوعي الصيني في تقييد نطاق الإصلاح الاقتصادي والسياسي في الصين. على مدى العقدين الماضيين، تباطأت الإصلاحات أو توقفت أو سارت في الاتجاه المعاكس فالتطور الاقتصادي السريع الذي حققته الصين وزيادة انخراطها مع العالم لم يحققا التقارب مع النظام الحر المفتوح الذي يتمحور حول المواطن كما كانت تأمل الولايات المتحدة. وبدلاً من ذلك، اختار الحزب الشيوعي الصيني استغلال النظام الحر المفتوح القائم على القواعد وحاول إعادة تشكيل النظام الدولي لصالحه[5]. و بحسب واشنطن فإن بكين تسعى إلى تغيير النظام الدولي ليتماشى مع مصالح وعقيدة الحزب الشيوعي الصيني. إن استخدام الحزب الشيوعي الصيني المتزايد للقوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية لإجبار الدول القومية على الإذعان يضر بالمصالح الأميركية الحيوية ويقوض سيادة وكرامة البلدان والأفراد حول العالم[6].

و للتصدي لتحدي بكين، تعتمد الإدارة الأميركية نهجًا تنافسيًا مع الصين، استنادًا إلى تقييم واضح لنوايا وأفعال الحزب الشيوعي الصيني، وإعادة تقييم للعديد من المزايا والعيوب الاستراتيجية للولايات المتحدة، والتسامح إزاء احتكاك أكبر بين الطرفين.” إن نهجنا لا يقوم على فرضية تحديد حالة نهائية معينة للصين. بل إن هدفنا يتمثل في حماية المصالح الوطنية الحيوية للولايات المتحدة، كما هو موضح في الركائز الأربع لإستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية للعام 2017. فنحن نهدف إلى: (1) حماية الوطن والشعب الأميركي وطريقة الحياة الأميركية؛ و(2) تعزيز الرخاء الأميركي؛ و(3) الحفاظ على السلام من خلال القوة؛ و(4) تعزيز النفوذ الأميركي..”[7] …

ثالثا- تأثير تحول بؤرة الصراع الدولي إلى مناطق أخرى بأسيا على “الشرق الأوسط”:

عموما، من الخطأ التفاؤل و الرهان على الصراع بين الصين و أمريكا خاصة بالنسبة للعالم العربي و الإسلامي، لأن التغيير في النظام الدولي و الحد من هيمنة الولايات المتحدة مرتبطة بمدى قدرة الصين على المخاطرة و تحمل أعباء التغيير، و من يدرك عقلية القيادة الصينية و التحديات التي تواجهها- و قد بينا ذلك في أكثر من مقال- سيدرك جيدا بأن الصين ستدعم استمرار النظام الدولي القائم و الترتيبات الأمنية المعمول بها منذ إنهيار المعسكر الشرقي،  و أننا سوف نشهد تحالف بين الصين و أمريكا في عهد “جوبايدن” أو على الأقل تهدئة الأوضاع بينها و التوصل لنوع من الهدنة خاصة في القضايا الخلافية التي لها تأثير على استقرار النظام الدولي بشقيه السياسي و الاقتصادي-المالي ، و ليس ذلك بفعل قوة أمريكا، وإنما نتيجة لخوف و تردد القيادة الصينية، فأمريكا تراهن على أن الانهيار إذا ما  وقع –و هو واقع لا محالة-  سوف تتضرر منه جميع البلدان و على رأس المتضررين الصين..

لكن على خلاف مصالح الصين و أمريكا و غيرها من البلدان المتقدمة، فإن تغيير قواعد اللعبة الدولية، قد يخدم عملية التنمية في البلدان النامية و من ضمنها بلدان العالم العربي و الإسلامي، لأن عيوب التنمية التي تعانيها هذه البلدان – في الغالب- هو ميلها أكثر نحو الاستيراد من “الإبرة إلى الصاروخ”، و انخراطها “المفرط” في اتفاقيات التبادل الحر و الاتفاقيات المتعددة الأطراف التي تمت تحث إطار “الغات ” أو “منظمة التجارة العالمية” ، و هو من ضمن العناصر السلبية التي أعاقت عملية التنمية، و جعلت بلداننا مرتبطة أكثر بالخارج و صادراتها في الغالب من المواد الطاقية أو المواد الخام، و هامش السلع ذات القيمة المضافة العالية جد منخفض..

كما أن تحول أولويات الولايات المتحدة باتجاه بحر الصين الجنوبي و المحيط الهادئ و شرق ووسط أسيا عموما ، يعني تراجع أهمية الشرق الأوسط و لعل في ذلك خير لشعوب المنطقة ، لكن في ظل إستمرار قيادات عاجزة فاقدة للشرعية و للرؤية مستقبلية فدار لقمان ستبقى على حالها، و سيظل الخاسر الأكبر الشعوب العربية… و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لايعلمون…



شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.