مغربنا 1 جريدة إلكترونية مغربية


مناطق محظورة على غير المسلمين في الغرب: هل هي حقيقة أم خرافة؟

مغربنا 1 المغرب 

يمكن تعريف “المناطق المحظورة” على أنها الأحياء الفقيرة التي يغيب فيها القانون والأمن، نتيجة لفقدان سيطرة السلطات عليها، بعضها اشتهر بالعنف والجريمة، ما جعل الناس يخشون الذهاب إليها.

كيف ظهر مصطلح المناطق المحظورة (No-Go-Zones)؟

يشكّل مفهوم “المناطق المحظورة” موضوعًا ساخنًا في الخطاب الإعلامي في السنوات الأخيرة. وقد ظهرت ادعاءات مثيرة حول وجود أحياء إسلامية حصرية، يُحظر على غير المسلمين الدخول إليها. على سبيل المثال، وللتأكيد على خطورة الموقف، أشار ضيف فوكس نيوز، ستيف إيمرسون، عام 2015، إلى أن مدينة برمنجهام في المملكة المتحدة مسلمة بشكل كامل. لكن الحقيقة هي أن 22% فقط من المدينة مسلمون، مما حث ديفيد كاميرون على وصف إيمرسون بالأحمق الكبير في أحد التصريحات.

وبعد ذلك بأسابيع، انتشر مصطلح “المناطق المحظورة” على نطاق واسع في أوروبا، حيث اختلف الكثير من الباحثين والناس الذين يعيشون في تلك المناطق على الوصف المذكور. وبالفعل، أصبحت هذه الادعاءات مادة جيدة للكوميديين في فرنسا وفي أماكن أخرى، إلى درجة أن برنامجًا تلفزيًا فرنسيًا أرسل مراسليه الفرنسيين غير المسلمين إلى تلك الأحياء “الخطرة”، ليعودوا منها بأيدٍ فارغة ومزاح مضحك. وقد اعتذرت قناة فوكس نيوز في وقت لاحق عن ملاحظات ضيفها، وقالت: “كي نكون واضحين، ليست هناك تسمية رسمية لهذه المناطق في أي بلد، ولا توجد معلومات موثوقة حول وجود هكذا مناطق تستثني أفرادًا استنادًا إلى الدين”.

وفي وقت لاحق من عام 2015، انتقد حاكم ولاية لويزيانا، بوبي جندال، ما وصفه إصرار المهاجرين على عدم استيعاب وتبني قيم الدولة المضيفة. من الجدير ذكره أن جندال لم يستطع إعطاء مثال واحد على وجود مثل هذه المناطق في الولايات المتحدة، لكنه ذكر أنه “سمع من الناس” أن “هنالك أحياء في الولايات المتحدة لا تشعر فيها النساء بالراحة دون ارتداء الحجاب”.

وتبع تصريحات جندال ردود فعل مختلطة على مواقع التواصل الاجتماعي، أشار فيها أحد المشاركين إلى معاملة السود في الولايات المتحدة، وقال: “شكرًا جزيلًا لك سيد جندال على قلقك بشأن تلك المناطق… ولكن، ألا ينبغي عليك أن تقلق من أعداد المناطق المحظورة التي لا حصر لها في الولايات المتحدة، التي لا يجري فيها استبعاد صبي أسود فحسب، بل يجري إطلاق النار عليه كذلك من قبل الميليشيات البيضاء!”.

ما هي الحقيقة؟

هل “المناطق المحظورة” حقيقة موثقة بشكل جيد؟ أم خيال يُستخدم لتشويه صورة أفراد المجتمع الفقراء والأقل حظًا؟

جرى توظيف هذا المصطلح على نطاق واسع في وسائل الإعلام بعد أن استخدمه دانيال بايبس عام 2006 للمرة الأولى. ووفقًا لقناة فوكس نيوز، المناطق المحظورة هي أحياء يسيطر عليها المسلمون، يُحظر على غير المسلمين دخولها بسبب انعدام القانون، وغياب الأمن، وتطبيق قانون الشريعة فيها. في هذه المناطق، تكون السلطات غير قادرة أو غير راغبة في تلبية الاحتياجات الأساسية العامة خشية التعرض لهجوم من قبل المسلمين.

الحقيقة هي أن هذه المناطق هي ذاتها الأحياء الفقيرة والمحرومة، التي جرى تجاهلها من قِبل السلطات لعقود من الزمان. يُطلق عليها في فرنسا اسم “المناطق الحضرية الحساسة”، وتحمل اختصار ZUS. في الحقيقة، تتباين أحجام هذه المناطق ومعدلات الجريمة فيها. وبحسب تقارير، هنالك حي واحد على الأقل من هذه الأحياء في كل بلدة فرنسية. بدأت “المناطق الحضرية الحساسة” بالتشكل بعد الحرب العالمية الثانية، عندما جاءت موجات ضخمة من المهاجرين إلى أوروبا كعمال غير مهرة، واستقروا في ضواحي الجمهورية. هذه الأحياء أو “الغيتوهات” هي حقيقة واقعة لا يمكن لأحد أن ينكرها. واليوم، هنالك أكثر من خمسة ملايين شخص يعيشون في هذه المناطق، تشمل الأجزاء المسلمة من باريس ومارسيليا وستراتسبورغ وليل وأميان. وتحتفظ الحكومة الفرنسية بقائمة تضم أكثر من 700 من هذه الأحياء، تشير إليها على أنها مناطق عرقية وحساسة بسبب الفقر والجريمة والمخاطر المنتشرة فيها.

وقد زعم أحد التقارير تحت عنوان “مناطق محظورة في الجمهورية الفرنسية” أن هنالك العشرات من هذه الأحياء، التي لا تستطيع الشرطة إنفاذ القانون فيها بشكل كامل، أو حتى الدخول إليها دون المخاطرة بالمواجهة أو إطلاق النار المميت. علاوة على ذلك، أحصت السويد 61 منطقة هشة معروفة بارتفاع معدلات الجريمة والبطالة، تمامًا كما في دول أوروبية أخرى.

وقد برزت ردود فعل رسمية من بعض الدول. على سبيل المثال، أقرت الدنمارك في يوليو/تموز قانونًا يستهدف 25 حيًا مسلمًا. ينص القانون على أن يقضي “أطفال الغيتو” في مرحلة ما قبل المدرسة 25 ساعة على الأقل أسبوعيًا في تعلم اللغة والقيم والثقافة الدنماركية، بما في ذلك تقاليد عيد الميلاد وعيد الفصح. وبموجب هذا القانون، الآباء الذين يرفضون ذلك سيفقدون إعاناتهم الاجتماعية. أعتقد أنه من الجيد أن يتعلم الأطفال المهارات المطلوبة للنجاح في مجتمعاتهم، لكن المشكلة في هكذا قانون أنه يستهدف المواطنين المحرومين فحسب، الذين يحصلون على منافع، وهذا يعني أن المواطنين الآخرين ليسوا ملزمين به.

إن “المناطق المحظورة” هي الأفقر دائمًا في مختلف البلدان، تتركز فيها الكتل السكانية التي أهملت من قبل السلطات لعقود من الزمان، ما أدى إلى ازدهار الجريمة والتطرف والعصابات فيها. أنا لا أنكر أن هنالك عداء يوميًا تجاه النساء واليهود في العديد من الأحياء الأوروبية والأمريكية، إلا أن السلطات تعمل فيها بشكل غير مرئي، دون ارتداء زي رسمي، لأن الدخول إليها بزي الشرطة أمر محفوف بالمخاطر. ولكن، من غير الممكن إثبات أن هكذا أحياء هي مناطق محظورة.

إنها عبارة عن مناطق عرقية وحساسة، وأحيانًا خطرة، معظمنا يخشى الدخول إليها. إنها غيتوهات مكونة من مواطنين فقراء ومحرومين وموصومين بصورة مشوهة. إن آخر ما يحتاج إليه سكانها هو المزيد من التشويه من قبل وسائل الإعلام وصانعي السياسات. الحقيقة هي أن هذه الأماكن ليست “مناطق محظورة” بالمعنى الحرفي (أي لا يمكنك الذهاب إليها)، لكن هنالك مخاطر قد تواجهها بسبب الجريمة وانعدام الأمن فيها. هذه المناطق ليست متماثلة، فبعضها “مناطق يجب مغادرتها” و”مناطق لا تذهب إليها” و”مناطق تدخل إليها على مسؤوليتك الخاصة”. إن الحل لأولئك الذين يعيشون في بؤس اجتماعي هو الحد من عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز الاستيعاب الاقتصادي؛ فمن الصعب أن يكون هناك بلد مستقر دون تصحيح هذه المظالم التاريخية.



شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.