مغربنا 1 جريدة إلكترونية مغربية


أسماء لمرابط:السلطات في المغرب أدارت أزمة كورونا بصرامة وجدية وفعالية وحان الوقت لنقد دور الدين في مجتمعاتنا

Maghribona1 Maroc 

في حوار مع “مديابارت”، أعاد نشره موقع “سين ذيس”، قالت المرابط إن “الوعي بإنسانيتنا الـمشتركة هو أحد الدروس العظيمة لهذا الوباء العالمي الذي لا يميز بين الأغنياء أو الفقراء و لا بين المؤمنين وغير المؤمنين”.

وأضافت المرابط أن هذا الوباء كشف النقاب عن “إخفاقنا وتقصيرنا كمخلوقات بشر ية وعن عيوب أسلوب حياتنا الحديث. إنها أزمة قيم حقيقية على نطاق عالمي، وإذا لم يتغير العالم بعد ذلك، فإن ذلك سيعني أننا يجب أن نفقد الأمل في الإنسان”.

وفي ما يلي نص الحوار:

كيف تنظر الطبيبة وعالمة الأحياء لهذه الفترة الفريدة التي تعيشها البشرية كلها؟

كمتخصصة في علم الأحياء أرى هذا أولاً شكل جديد حاد وخطير من الأمراض المعدية التي أخذت العالم العلمي على حين غرة بسبب انتشاره السريع وتعدد أعراضه وقبل كل شيء بسبب الارتباك السائد فيما يتعلق بطرائق علاجه.

تتفق العديد من الدراسات العلمية في جميع أنحاء العالم على أن هذا الوباء كان يمكن التنبؤ به إلى حد ما، وهو نتيجة لتراكم عدة اختلالات، بما في ذلك التدهور الشديد للبيئة الطبيعية لكوكبنا في ظل الأثر المدمر للعولمة الديمغرافية والاقتصادية والتكنولوجية والصناعية التي انتهت إلى زعزعة النظام الإيكولوجي والتنوع البيولوجي.

وقد يسّر التدمير التدريجي لهذا النظام الإيكولوجي انتقال الفيروسات مثل فيروس كورونا من خزانها الطبيعي في الحيوانات إلى البشر. وقد أتاح عبور هذه الحواجز التي يحافظ عليها عادة التوازن الطبيعي ظهور أمراض جديدة، مثل مرض الإيبولا الذي ظل محليا، وحالة الكوفد – 19 التي نشهدها حاليا.

ربما ينبغي لنا أولا وقبل كل شيء أن نسجل أن السلطات في المغرب أدارت هذه الأزمة في وقت مبكر جدا، بصرامة وجدية وفعالية. ومع ذلك، صحيح أنه مع هذا الوباء، نرى نوعا من التحفظ في التعبيرات ذات الطابع الديني وخاصة في الفضاء العام. في الواقع، ما يهم الناس اليوم، على الأقل في المغرب، هو صحتهم وتطور وإدارة الأزمة الصحية، ونتيجة لذلك، فإن الاهتمام موجه إلى أولئك الذين أصبحوا الأبطال الحقيقيين لهذه الأزمة والذين هم في طليعة النضال، وهم الأطباء وجميع العاملين في مجال الرعاية الصحية.

من الملاحظ أن جزءاً كبيراً من المغاربة يعيد الاعتبار لأهمية العلم والطب والبحث العلمي ولو أنهم على المستوى الشخصي يظلون مقتنعين بأهمية الإيمان، وذلك يدفعهم إلى إعادة النظر في نهجهم تجاه التدين الفردي. هناك إعادة تشكيل للطريقة التي يعيش بها المتدينون على المستوى الفردي، خاصة في غياب خطاب ديني “صامت” الآن حول استجابة عقلانية لهذه الأزمة العالمية. من المؤكد أن الديني أو المقدس لن يكون موضع تشكيك ، فالمجتمع المغربي متدين بعمق وهذه ليست المشكلة. والسؤال الذي لا يزال يتعين طرحه هو كيف يمكن للمرء، في نهاية هذه الأزمة، ومن وجهة نظر عالمية، أن يبادر إلى نقد ذاتي حقيقي بشأن الدور الحقيقي للدين في مجتمعاتنا، وقبل كل شيء أن يتساءل عن مدى استغلاله من طرف الفاعل السياسي.

ما هي الدروس التي يمكن أن يتعلمها الإسلام من فيروس كورونا ؟ و هل ستتراجع التجمعات الدينية الكبيرة ؟ وهل يمكن لهذا الوباء أن يوقف زحف الفكر الذي يحمل نظرة دوغمائية ومتعصبة للإسلام؟

أحد أكبر الدروس التي ينبغي استخلاصها من هذه الأزمة هو تجاوز رؤية منطلقة من الذات في التعامل مع الدين. وحتى في خضم هذه المأساة الإنسانية، تتجاهل دعوات غالبية المسلمين بقية البشرية وتصلي وتدعو غريزياً من أجل معافاة الأمة الإسلامية وحدها ومن ثم فإن الوعي بإنسانيتنا الـمشتركة هو أحد الدروس العظيمة لهذا الوباء العالمي الذي لا يميز بين الأغنياء أو الفقراء و لا بين المؤمنين وغير المؤمنين.

ومن أوجه القصور الكبرى في الخطاب الإسلامي الحالي، وخاصة في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، غياب هذه الرؤية الشاملة، التي تنطلق من رسالة الإسلام الروحية لكي تفكر في الإنسان في بعده العالمي. إن استعادة البعد الإنساني الجوهري في الرسالة الروحية للإسلام هو الخروج عن الرؤية العقائدية السائدة اليوم لدى الأكثرية.

الحجاب، تعدد الزوجات، عدم المساواة في الميراث.. لقد كتبتم كثيرا عن عناصر التمييز ضد المرأة باسم الإسلام. هناك عنصر آخر نعيش تجربته اليوم مع العزل الصحي والمكوث في المنزل، هل هذا الحجر الصحي مفيد للنضال النسوي من أجل المساواة بين الجنسين؟

ينبغي أولا أن نفكر في أولئك الذين ليسوا معزولين ويواصلون العمل في ظروف بالغة الصعوبة لكي يتمكن العالم من موصلة حركته ومعيشته على الرغم من كل شيء. الطاقم الطبي والمسعفون وموظفو المتاجر الكبر وعمال الصيانة وكل الرجال والنساء المنخرطين اليوم في المعركة ضد الفيروس.

ومع ذلك، ينبغي الاعتراف بأن النساء هن الأكثر احتمالا للقيام بهذا النوع من العمل، دون البروز في المشهد وفي حالات من الضعف الاجتماعي والاقتصادي الشديد. على سبيل المثال، في المغرب، كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى، حوالي 70 % من العاملين في المستشفيات من الإناث، وبالإضافة إلى القيام بهذا العمل الهائل وفي ظروف الطوارئ الوبائية هذه، يجمعن بين عبء العمل في المنزل وعبء الحفاظ على التوازن الأسري. ولا يزال أمام الكفاح من أجل المساواة بين الجنسين طريق طويل جدا، وليس فقط في البلدان الإسلامية.

هناك الكثير من الحديث عن العالم ما بعد كورونا، كما لو أن كل شيء سوف ينقلب رأسا على عقب، ما هي رؤيتكم؟

لا أعرف كيف سيكون عالمنا بعد هذا الوباء والأمر المؤكد هو أن مرحلة ما قد انتهت وأننا على أعتاب عالم سيكون مختلفا بالتأكيد، عالم عدم اليقين الكبير والخيارات الكبرى التي يتعين اتخاذها. ولا أعرف ما إذا كانت لدينا الحكمة والحضور الذهني لتعلم كل الدروس الواجبة من هذه الأزمة.

وقد كشف هذا الوباء النقاب عن إخفاقنا وتقصيرنا كمخلوقات بشر ية وعن عيوب أسلوب حياتنا الحديث. إنها أزمة قيم حقيقية على نطاق عالمي، وإذا لم يتغير العالم بعد ذلك، فإن ذلك سيعني أننا يجب أن نفقد الأمل في الإنسان. ولهذا السبب آمل أن يكون عالم الغد أفضل إذا ما قمنا بالاختيار الصحيح، ألا وهو التضامن الإنساني.

  • حاورتها: رشيدة العزوزي
  • نقل الحوار إلى العربية: أحمد ابن الصديق


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.