مغربنا 1 جريدة إلكترونية مغربية


عبد الرحيم العطري في حوار معرفي مع محمد شويكة على ضفاف الحوار المتمدن

Maghribona1 Maroc

في حوار مع المبدع المغربي محمد شويكة
 أخاف أن نُحَال كأمة عربية إلى المزبلة الالكترونية العالمية
 مهمة الكاتب هنا والآن صعبة للغاية، فكل شيء لا يريدك أن تكون كاتبا
أجرى الحوار: عبد الرحيم العطري
في هذا السفر المعرفي نرتحل مع المبدع محمد شويكة إلى قارة الفكر و السؤال ، إلى شجون السوسيولوجيا و الكتابة و معاني الانتماء المحتمل ، نرتحل قصدا نحو دواعي الاختيار و بواعث الانكتاب ، نفكر سويا بصوت عال في المسكوت عنه ، أملا في بلوغ قوة و عمق الأشياء ، فمحمد شويكة لا يلتمع إسمه فقط بين دروب القص اللذيذ ، إنه يجرب مسارات و متاهات أدبية و معرفية أخرى ، بل إنه يسجل الحضور المختلف بالصوت و الصورة ، فهو السينمائي و القاص و السيناريست و المنشغل أيضا بالهم السوسيولوجي ، في كل هذه الدوائر الملتهبة بحرقة السؤال و النقد نصادف محمد شويكة مبدعا متعدد المواهب ، يكتب و ينكتب و يسافر بين تضاريس المجتمع ، ليعتق الكلام و يدبج الصور و الحالات ، ليهدينا ختاما صورة / حكيا / متنا بهيا لا تخطئه ذائقة المتلقي المفترض .
طبعا لن يكون إلا هو القادم من مفازات الزمن المغربي ، من آهاته و زفراته ، من فرحه المغتال و أحلامه المؤجلة ، لن يكون إلا هو الملتفح بصهد ذات الزمن ، لهذا لن تسير كتاباته و رؤاه إلا في درب الانتصار للإنسان ، للحلم ، للحقيقة ، و للحب المفتقد ، و لن يكون في منتهى الأحوال إلا هو : مجربا للحكي مفتتنا بالصورة و مصرا على السؤال من خلال مطبخ السوسيولوجيا ، فهذه الأخيرة إما أن تهاجر إليها أو تهجرك ، لكنه اختار قبلا الهجرة إلى صرامتها المنهجية في الطرح و التحليل.
من القص إلى السينما إلى تقنيات النشر و الإعلام إلى السؤال السوسيولوجي ، في هذا الكل المتداخل يجرب المبدع المغربي محمد شويكة متاهات البحث عن المعنى و الانتماء ، يبحث عن مهمة الكاتب المفترضة ، يفكر و يتفكر في ال” هنا و الآن ” و في الغد المفتوح على كل الخسارات ، في الغد الذي نحال فيه كأمة عربية إلى مزبلة العالم الإلكترونية . لهذا كله نحاور هكذا مبدع و هكذا اختيار و سؤال .

1ـ كثيرا ما ردد الراحل خطأ بول باسكون بأن رجل السوسيولوجيا هو ذاك الذي تأتي الفضيحة من جانبه، فهل يمكن القول إن السوسيولوجي الغائر فيك هو الذي يجعل قصصك وسيناريوهاتك مدمنة لخيار الفضح والتعرية؟
1ـ إن اختيار التخصص في السوسيولوجيا لم يكن عبثا أو ترفا، فقد حسمت الانتماء إلى إمبراطورية الفلسفة والعلوم الإنسانية منذ دراستي الإعدادية إبان إدماني على كتب الفلاسفة وأخص بالذكر ابن رشد وماركس وميرلوبونتي… إذ أصبحت كتاباتي التأملية والإنشائية مصابة بقلق السؤال وطغيان اللاطمأنينة والشك… وأظن أن الكاتب الذي يتخندق فكريا يضيق أفقه وتتكلس موهبته. لا أستطيع أن أقول لك إني متأثر بالسوسيولوجيا داخل كتاباتي (قصة، سيناريو، مقالة…)، ولكنني لا أنكر ممارستها عن وعي وسبق إصرار لأن المجتمع المغربي في حاجة ماسة إلى تشغيل البحث العلمي عامة، واستعمال المناهج السوسيولوجية المعطلة لكشف متناقضاته خاصة، فالاشتغال السوسيولوجي لا يتجلى فقط من خلال إنتاج دراسات اجتماعية محضة، المهم تشغيل الآليات السوسيولوجية داخل حقول معرفية أخرى كالأدب والفن… وهذا ما أشتغل عليه رغم كل المثبطات والمطبات.
عندما نتحدث عن الكشف والتعرية، أظن أن الأمر يتجاوز حدود السوسيولوجيا إلى ما دونها من التخصصات الأخرى، فمهمة الأديب والمفكر والعالم… هي الكشف والتعرية: الكشف عن الحقائق العلمية، وتعرية وفضح عوائق التطور لأن العلم سائر نحو التعقيد إبستيمولوجيا بفعل ظهور ظواهر أكثر تعقيدا على مستوى العلوم الخالصة والنفسية والاجتماعية والبيولوجية… مما يجعل سلطة العلم تزداد وتتقوى يوما بعد يوم، فالصراع القادم صراع علمي ولا يتمظهر في ما هو عقدي أو عسكري… فأين نحن من هذا؟ أليست السوسيولوجيا ضرورية اليوم بهذا المعنى؟

2ـ يقول سارتر إن مهمة الكاتب اليوم هي نوع من الشهادة الموجزة على موت الإنسان، بالنسبة للمبدع اشويكة، كيف يتمثل مهمة الكاتب هنا والآن؟
2ـ تكاد المتغيرات الطارئة على المجتمع اليوم تجعل تحديد مهمة الكاتب أصعب من فعل الكتابة ذاته، فالكاتب اليوم يعيش لحظة تسعى الإنسانية فيها إلى التخلص من مآسيها (الكوارث الطبيعية، الحروب، الفيروسات…)، وهي ترفع بالمقابل شعارات إنسانية تعيدنا إلى طوباويات عدة كطوبى المساواة والعدالة وحقوق الطفل وتعميم العلم والقضاء على الفقر والبطالة… الشيء الذي يضاعف مجهود كل منشغل بالفكر والعلم. تسير الإنسانية اليوم نحو ترسيخ قيم العلم وجعله السلطة الأولى والمرجع الأول (مع ما في الأمر من إيديولوجيا)، مما يجعل مهمة الفيلسوف والأديب صعبة ومعقدة إلى حد كبير لما قد يصل إليه العالم من نتائج نهائية قد تعوض، إن لم أقل عوضت في الدول الغربية، كل ما له علاقة بالروح والوجدان، وجعلت الإنسان يتملص من الواجبات القيمية ويعتنق عقائد علمية (Dogmes scientifiques) مصاغة صياغات محبوكة قد لا تترك له مجالات كبيرة لتثوير أسئلة ممكنة حولها.
أظن أن مهمة الكاتب هنا (بالمغرب) والآن (في الزمن المعقد الذي نحياه) صعبة للغاية، فكل شيء لا يريدك أن تكون كاتبا: وسط عائلي يؤمن بالاستثمار في العقار وينمي قيم الاستهلاك الفج ويقصي تنمية الرأسمال الرمزي… ووسط سياسي يريدك أن تخدم إيديولوجيته بشكل لا يحترم قيم الاختلاف ولا يريد تدليل سلطة المثقف… إضافة إلى قيم اجتماعية تتعامل مع الكاتب بمنطق الإخوانيات والزبونية واستبعاد المجهودات الفردية والمشاريع الفكرية… ويكمن المشكل العويص جدا في الكاتب ذاته (لا داعي للتعميم) الذي يعيد اجترار هذا الواقع وإسقاطه على نفسه وعلى زملائه!
ما يثير في العالم اليوم، التسابق نحو امتلاك المعلومة وتعميمها عبر الذاكرة الالكترونية التي اتسعت إلى درجة أن المشرفين على محرك البحث “Google” قد أفصحوا بمناسبة دخول السنة الجديدة عن التحدي الذي يطرحه مشكل تبويب المواد الالكترونية، إذ يلزم ما يزيد عن 300 سنة للقيام بذلك… فأين نحن من هذا؟ وما موقع الكاتب المغربي اليوم وسط هذا الركام المعرفي؟ هل نستطيع القول: “إن من لا يوجد على محركات البحث العالمية الالكترونية، فهو غير موجود؟” وبالتالي نقرأ كوجيتو ديكارت بطريقة أخرى: “لدي موقع إلكتروني، إذا أنا موجود”… أخاف أن نُحَال كأمة إلى المزبلة الالكترونية العالمية… المسؤولية كبيرة ومجهودات الأفراد، وفقا للمتغيرات الطارئة، لا تكفي!

3ـ ماذا تكتب ربما ليس مهما، ربما الأهم هو لماذا نكتب؟ ولماذا تفرض على نفسك الإبحار والتخصص في جنس أدبي محدد؟
3ـ بناء على ما سبق، ووفقا لما يوجد من تحديات راهنة، واحترازا من المستقبل المفتوح على المفاجأة والمجهول باعتبارنا نعيش مجتمع المغامرة في ظل تزايد العنف وتراجع العقل… فالكتابة اليوم تتجاوز حدود السؤال المعرفي إلى السؤال الوجودي، لذلك فاختيار القصة القصيرة بالتحديد كنمط إبداعي، هو اختيار بالأساس لنمط وجودي على مقاسي، وعلى مقاس الزمن الذي أحياه… في حين تدخل الاهتمامات الأخرى في الإطارات المهنية التي مارستها والتي أمارسها (الفن والتدريس: أن تكون فنانا، أن تمارس الحياة لأنها الدرس الأكبر الذي يجب أن نتحداه وهي المدرسة الأولى).
للأسف، يفهم الكثير من “المبدعين” التخصص بمعنى منغلق، فالتخصص الآن هو الانفتاح على حقول معرفية وفنية وعلمية… من أجل تغذية مجال الإبداع الأصل، فلا تستطيع القصة أن تتطور من الداخل فقط… وبهذا المعنى يكون التخصص فضاء رحبا للحرية وليس سجنا يضع المبدع نفسه فيه وكأنه يمارس انتحارا لاواعيا سيدخله إلى شقاء إنساني سوداوي أو يؤدي به إلى الاعتزال المبكر.

4ـ دائما في إطار البحث عن معنى الأشياء ماذا تعني القصة بالنسبة لمحمد اشويكة؟
4ـ أؤكد أنها نمط الوجود الذي يناسبني، والجوهر الإبداعي الذي يلائم زمني… هي المشتل الذي أزرع فيه كل ما أقطفه من حقول معرفية أخرى. القصة، رغم قصرها، تسع كل المقولات لأنها تستطيع ـ رغم حراس النظرية ـ من كل صرامة عقلية، أو كل بهرج تسييجي… فما تتيحه القصة لي، كاختيار إبداعي وجمالي واع، لا تبيحه المقالة الصحافية أو الدراسة العلمية الأكاديمية أو السيناريو… لكل هذه المجالات إكراهاتها وضغوطها، لكن ممارستها تهيئ لي الاستعداد المسبق لكتابة القصة… في حين أن القصة حقل لزرع كل البذور الإبداعية شريطة أن تكون هذه البذور منتقاة بعناية فائقة حتى يتمكن زراعها من ضمان حديقة متميزة.
وهذا لا يعني أيضا أن القصة حقل متسيب، إنها مجال للاستثمار الذي يستند على البحث حتى لا يصبح التجريب ضرب من المصادفة أو الحظ “Tentation de chance”: إنه/إنها غوص معرفي وجمالي محترس من السقطات المعرفية الكبرى والمغالطات التي لا تنبني على حجج. أظن (بلغة الظن دائما) أن اختياري للقصة كمشتل إبداعي لا يتأسس على المجازفات الاستيهامية، وإنما على حَدّ أدنى من المصوغات والحجج (من داخل القصة وخارجها) لأن شروط قيام أية قصة مغربية جديدة لا تتأتى إلا بتظافر جهود البحث والتقصي والنبش والاجتهاد في تاريخ الإبداع والفكر ومحاولة فهم التغيرات الطارئة… ويبقى السؤال مفتوحا؟

5ـ وبالنسبة للسينما؟
لا يحتاج الإنسان في حياته فقط للأسئلة المعرفية بغرض مساءلة وجوده، ولكنه يحتاج إلى سؤال الكيف أيضا، فنحن لسنا مقدوفين في هذا الكون هكذا كما يقول سارتر؛ قد لا نختلف حول انتماء الإنسان للطبيعة، لكن المشكل: كيف نراها؟ كيف نتمتع ونتلذذ بها؟ بهذا المعنى، واستنادا إلى تلك المرجعية التساؤلية أجدني أنزاح إلى السينما: في البدء كان الحب والانبهار ثم جاءت مرحلة التكوين المهني من خلال مسارات عدة (سينيفيليا، عائلة، تداريب، تواصل، بحث، تكوين، تبادل خبرات…). الإنسان في حاجة إلى اقتناء الخلوة: ظلام السينما… يكون فرصة لمراجعة الذات وتطهيرها والتخلص من اللغو والتلوث اللغوي. أحيانا لا أجدني أستمتع لأن التقني الذي يسكنني يخرج من قمقمه وتتبعثر الحكاية في ذهني!
الاشتغال بأدوات السينما ولغتها، رؤية أخرى للعالم، لكن المشكل في العين: هناك من لا يرى إلا الشوك في الورد، وهناك من يرى الورد وسط الشوك! نحن في حاجة إلى تربية العين، فعندما نؤهل المجتمع إلى استغلال طاقته البصرية نستطيع أن نطمئن على بصيرته، أعيننا معطلة، والأحكام الجاهزة تسبق فتح العين: إن فتح العين انفتاح على الكون، وهو اللقاء الأول معه، فإذا كان هذا اللقاء مضطربا تضطرب الرؤية.
من الناحية السوسيولوجية، يتعرض الخطاب البصري في المغرب عموما، والسينما خصوصا، إلى كثير من التأويلات المتناقضة شأنه في ذلك شأن كل الخطابات التي لم تدخل بعد إلى قاعة الدرس لإماطة الوهم عليها… لذلك فتربية العين من خلال تدريس الفنون البصرية أصبح ضرورة ملحة.

6ـ لاحظت من خلال موقعك على الانترنيت أن بوابة السوسيولوجيا هي الموصدة، فهل انتهيت من السؤال السوسيولوجي؟ أم أن الأمر له اتصال بما يعانيه البحث السوسيولوجي هنا والآن؟
6ـ كيف أنتهي من البحث السوسيولوجي والحاجة إلى السوسيولوجيا تزداد يوما بعد يوم؟ لقد كان لهذا العلم مسار مختلف في المغرب، إذ كان كبش فداء العلوم الإنسانية بعد أن تم إغلاق معهد السوسيولوجيا، فالاعتقال تجاوز البشر ليطال اعتقال العلم ومؤسساته أيضا… وإذا كان المغرب قد أعطى مؤشرات على طي صفحات ذلك الماضي الأليم (مع ما ينتظره من عمل مستقبلي)، فالأمر لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل مع هذا المعهد، الفرصة مواتية الآن لإطلاق سراح المعهد وتأسيس معاهد متخصصة في كافة مجالات العلوم الإنسانية (سيكولوجيا، أنتروبولوجيا، إثنولوجيا…). فكما لا يخفى عليك، مهدت العلوم الإنسانية لاحتلال المغرب (السوسيولوجيا الكولونيالية نموذجا)، ولا زالت الآن تقارير الفساد الإداري والرشوة والديمغرافيا… تأتينا من الخارج ومن المؤسسات الدولية، والسبب يرجع إلى أزمة العلوم الإنسانية في بلادنا؛ فأكبر أزمة يمكن أن تحدث لمجتمع يصبو لتحقيق الديمقراطية، عطالة البحث العلمي فيه، وعندما نتحدث عن البحث العلمي نتحدث عن البنية التحتية لقيام هذه العلوم… لقد آمن الجميع بأن المدخل لأية تنمية هو المكون البشري، فليؤمن الجميع بأهمية العلوم الإنسانية أيضا، فلا يعقل ألا تتوفر مؤسساتنا على خبراء في مجالات علم الاجتماع وعلم النفس… هل هذا يعني أن المجتمع المغربي ليست لديه مشاك سوسيوـ نفسية؟!
السوسيولوجيا ـ كما يستقى من سيرة بورديو العلمية ـ رياضة حرب “Un sport de combat”، فالمنشغل بالسوسيولوجيا تلازمه هذه الرياضة العلمية سواء في مجال الإبداع أو الفن أو الفكر عموما؛ فهو لا يهادن ولا يهادن، المعرفة غايته.
تمتلك السوسيولوجيا كثيرا من الأدوات المنهجية والرصيد المعرفي المهم لكشف طلاسم المجتمع المغربي (البسيط/المعقد؛ المزدوج/المنفرد؛ القروسطوي/الحداثي…) المستعصي… كما أن سوسيولوجيا ابن خلدون العلمية المخبرية لا زالت تشكل عتبات ضرورية لفهم العمران المغربي وطبائع المغاربة [بدو/حضر؛ عرب/أمازيغ]… المغرب مختبر سوسيولوجي خام، يلزم فقط الالتفات إلى السوسيولوجيا اليوم أكثر من أي وقت مضى، فمشكلتنا تكمن في عدم فهم واقعنا استنادا إلى نتائج علمية مضبوطة.

7ـ أترك لك مساحة حرة للتوقيع؟
7ـ إليك الكلمة التي أرحب بها بكل ناقر على بوابتي الالكترونية الجديـــــــدة www.chouika.com: أن تبدع الآن معناه أن تأخذ لك موقعا بين الحلم والواقع، بين الصحة والمرض… المبدع لا هو بالعليل ولا هو بـ”الصحيح”… إنسان اكتوى بنار الكلمة والواقع فغدا كطائر جريح بين يدي طفل برئ: الطائر لم يعد يقوى على الطيران نتيجة ألمه، والطفل لم يدرك بعد معنى الألم… الحلم بالشفاء يتطلب تحمل وطأة الألم بين يدي الطفل مع التشبث بقليل من أمل الانفلات…

Maghribona1 Maroc



شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.